ألف باء كاريير شيفت

ألف باء كاريير شيفت

شيف سلمى سليمان - مؤسسة "مطبخ سلمى"، وTV Chef على قناة فتافيت

01-07-2022

صباح يوم ولادة ابنتى الصغرى كان يومًا فارقًا فى حياتى، اليوم الذى سألنى زميلى الطبيب فى المستشفى الخاص متى أستطيع أن أعود للعمل بعد الولادة، وكانت دهشتى أن أجبته: "لن أعود!" كانت إجابتى سريعة وحاسمة، بدون تردد وبدون سابق تخطيط، ربما لأن عقلى الباطن كان دائم التفكير والبحث والمناقشة مع نفسه، كان يحاول إقناعى بأنى غير سعيدة بل وأكره هذه المهنة التى.. وياللغرابة.. أكرهها طوال حياتى.. دخلتها فقط لأن مجموع الثانوية الكبير أغرانى بالحصول على لقب الدكتورة والمكانة العظيمة التى تأتى مع اللقب، ما فعله عقلى الباطن فى ذلك الصباح.. حين تكلم بالنيابة عنى كان تصحيح وضع ليس إلا.. وضع كان الآخرين يرونه ويدركون كم كنت مكتئبة وغير متحمسة لعملى وأنا الوحيدة التى كانت تقاوم.. بجدال: "وأين ستذهب كل هذه السنوات التى درستها.. وخسارة تعب المذاكرة".. أشياء من هذا القبيل .

لم تكن لدى خطة واضحة.. وهنا يجب أن أتوقف لأقول أنه كان تصرفًا غير سليمًا.. فحين أترك وظيفتى يجب أن يكون لدى خطة أخرى بديلة ارتكن إليها، لكن ظروف ولادة ابنتى ورغبتى فى البقاء فى البيت فترة معها عززا ذلك القرار المفاجئ وساعدنى على تنفيذه.

بعد الولادة بثلاثة أشهر جاءنى هاتف من أحد المحطات التليفزيونية، أحد الأصدقاء قال لى أنهم يبحثون عن هواة طبخ ليقدموا فقرة فى برنامج يومى على الهواء مباشرة، ذهبت لتجربة الكاميرا وأمامها وجدت نفسى، هناك شغف واضح شعرت به وشعر به من حولى حين عملت فى هذه القناة لمدة عامين، كنت أتوق لموعد الحلقة وتنتابنى حماسة متدفقة تدفعنى للأمام وتزيل عنى حتى اَى آثار تعب أو مرض، كنت أدرك أن لدى مواهب أكثر لأشارك بها العالم وإننى حبيسة داخل عمل لا يحقق لى التميز الذى أحلم به.

هذا الشغف وهذا الحماس هو ما كنت أبحث عنه، الذهاب إلى عمل روتينى فى بيئة مملة قد يدفعك إلى اختلاق الأعذار لعدم الذهاب وقد يدفعك إلى تقديم نصف مجهودك وربع طاقتك وقد يلقى بإيمانك بنفسك وحبك للحياة إلى القاع.

إن تحديد مصائرنا فى مقتبل العمر لهو قرار كبير لا ينبغى أن يأخذه الشباب برعونة أو بتقليد، كما لا أستطيع أن أتعاطف مع الأهل الذين يرون فى الأبناء استكمال لأحلامهم التى لم يحققوها ويدفعونهم إلى طريق معين رغبة فى الوجاهة الاجتماعية أو لأنهم يدركون الأصلح.

كان أهلى داعمين جدًا لقرارى، رأونى حين كنت أعانى ورأوا النسخة الجديدة منى.. أدركوا أنى سعيدة وهذا الأهم بالنسبة لهم، الدعم والمساندة هما أهم شئ حين تقرر أن تأخذ طريقًا مختلفًا.. شريطة أن يكون ما تشعر به حقيقى وليس ناتجًا عن ضغوط مؤقتة أو نزوة عابرة.

بعد هذا القرار كان يجب العمل على هذه النسخة الجديدة منى.. كان يجب أن أطور هذه المهارات البسيطة التى وضعتنى على الطريق الجديد والذهاب بها إلى مستوى آخر.. فبدأت الدراسة عن طريق نفسى.. علمت نفسى بنفسى.. التجربة والخطأ هما أول وأهم معلم.. كانت بعض الكورسات البسيطة التى أخذتها قبل هذا بسنوات ليست كافية.. أخذت أجرب وأجرب كل التقنيات والوصفات فى البيت.. وحين دخلت إلى أهم قناة طبخ فى العالم العربى "فتافيت".. أدركت أننى وضعت نفسى على الطريق الصحيح وأنها بداية أخرى وتحدى جديد يجب أن أسعى لأكون فى مستواه، ذهبت إلى إيطاليا.. فلورنس بالتحديد وتعلمت على يد أحد الطهاة هناك، عززت هذه الكورسات من ثقتى بنفسى.. والعمل الكثير الذى كنت أواجهه فى فتافيت زاد من خبراتى وطور أدائى إلى حد كبير.

والآن بعد مضى ١٢ عامًا على هذا القرار.. لم أندم.. أشعر بالتحقق والإنجاز حين اسمع تعليقات "تعلمنا منك الكثير" أو "حببتينى فى المطبخ".

حين أنظر للخلف وكيف تطور هذا التغيير الذى قلب حياتى أدرك أنه ليس سهلاً.. إن العمل الجاد المخلص هو الطريق الوحيد لتصبح هذه النقلة مؤثرة ومفيدة فى حياة أى إنسان يطمح للتغيير، يجب أن يثابر وأن يعمل بجد فى المهنة الجديدة حتى يتقن فى وقت قصير ما يتقنه أصحابها الذين امتهنوها منذ الصغر.

نصيحتى لكل من يريد أن يدخل مجال الطبخ هو أن يتعلم كل الأساسيات وأن يقرأ كثيرًا جدًا وأن يجرب مئات المرات.. التكرار مهم والتجربة والخطأ اهم معلم.. لا تندفع بمجرد أن اتقنت وصفة أو اثنان.. مازال هناك المئات من التقنيات وأنواع المطابخ التى يجب أن تلم بها حتى وإن كنت لا تحبها، يجب أن تقرأ عن أنواع البهارات وأنواع الطعام المقدمة فى الدول الأخرى وكيف يقدمونها حتى تطور من وصفاتك وتصبح لك بصمة وليست تقليد فقط.

إن تغيير المهنة فى أواسط العمر ليست نهاية العالم.. بالعكس.. ربما كانت هى البداية.. بداية اكتشافك لذاتك ولقدرات مدفونة داخلك.. فقط كن صادقًا فى مشاعرك واستمع لصوتك الداخلى.. هذا الذى نتجاهله أحيانًا.. فهو البوصلة التى تهدينا حين يصيبنا اليأس والإحباط .

كورسات فى نفس المجال

لايوجد كورسات